العيــــد - آدابه وضوابط الفرحة فيه
العيــــد -
آدابه وضوابط الفرحة فيه
أولاً : العناصر:
1- العبادات والأعياد في الإسلام.
2- حكمة مشروعية الأعياد .
3- من الآداب الإسلامية في العيد.
4- الأعياد تدعو إلى التسامح ونبذ الخلافات.
5- مظاهر الفرح وضوابطه في العيد.
ثانيًا: الأدلة:
الأدلة من القرآن:
1- يقول الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى *
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }[الأعلى: 14، 15].
2- ويقول تعالى:{
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
3- ويقول تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:
185].
4- ويقول تعالى
:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] .
5- ويقول تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ
إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26].
6- ويقول تعالى
: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [غافر: 75، 76].
الأدلة من السنة :
1-
عَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
(صلى الله عليه وسلم) الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا،
فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ). قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِى
الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): ( إِنَّ اللَّهَ
قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ
الْفِطْرِ) (سنن أبي داود).
2- وعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ
وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ،
فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ
مِنَ الصَّدَقَاتِ ) (سنن أبي داود).
3- وعن أبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
)عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
قَالَ: (... لِلصَّائمِ فَرْحَتَانِ
يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ
بِصَوْمِهِ...) (صحيح البخاري).
4- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (
أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى
مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ:
أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ
نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ
أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ
بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ) (متفق
عليه).
5-
وعن عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ
فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ
وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): ( إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ) (صحيح البخاري).
6- وعَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ
تَمَرَاتٍ .. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ) (البخاري).
7- وعَنْ جابر
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قال: ( كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) (
أخرجه البخاري ) .
8-
وعن عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ:
دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ
تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ
وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْر فَانْتَهَرَني، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ
عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)؟! -يستنكر- ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: ( دَعْهُمَا
) ( صحيح البخاري ).
ثالثًا : الموضــوع:
لقد انقضى رمضان وودعه المسلمون
وقلوبهم مازالت به
متعلقة ، لأنه عمَّر قلوبهم بالإيمان، وصفت
فيه نفوسهم، وأخلصوا لله فيه العمل، عرفوا حق رمضان فصامت بطونهم عن المفطرات ،
وصامت جوارحهم عن المنكرات ، فكان رمضان فرصة لفعل الخيرات ، وموسمًا لعمل البر
والطاعات.
انقضى رمضان وقد فرغ المسلمون من
صيامه ، ونرجو الله تبارك وتعالى أن يكون قد ترك أثارًا طيبةً في نفوس المسلمين،
فلعل ما يقصده الإسلام من وراء الصيام قد تحقق في قلوب المؤمنين، كما نرجو الله
تعالى أن يكون المسلمون قد خرجوا منه بتزكية النفوس، وتصفية الأرواح، وسلامة
الصدور من الأحقاد والأضغان.
ودّع المسلمون شهر رمضان بأيامه
الفاضلة، ولياليه العامرة، وقد فاز فيه من فاز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار،
وخسر فيه من خسر بسبب الذنوب والعصيان، نسأل الله تعالى أن يكون قد كتبنا فيه من
الفائزين المنتصرين الغانمين.
واليوم يشرق علينا عيدُ الفطر المبارك
ببهجته وفرحته، أعاده الله علينا وعلى الأمة
الإسلامية بالخير واليمن والبركات .
وإذ
جعله الله - عز وجل- في نهاية الشهر الكريم ليفرح الصائمون والطائعون بطاعتهم لله
- عز وجل-، فقد عُرفَ بيوم الجائزة، فمن أتم صيامه وقيامه، وبذل فيه من
العطاء ابتغاء مرضاة الله عز وجل، وأعطى من حرمه، ووصل من قطعه، وعفا عمن ظلمه، صدق
فيه قول الحق سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: 14]، وذلك هو الفوز
العظيم، لأن العيد في حياة الإنسان أن
تكون علاقته بالله في خير حال، ويسعى لأن يكون من أهل الجنة، فكل يوم يمر عليه دون
أن يعصي الله فهو عيد، يقول ابن رجب (رحمه الله): "ليس العيد لمن لبس الجديد،
إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن
غفرت له الذنوب، في ليلة العيد تفرق خلق العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها
شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد"[ لطائف المعارف].
والعيد في الإسلام له معنيان
كبيران، معنى رباني، ومعنى إنساني، فالمعنى الرباني هو أن لا ينسى الإنسان ربه بالعبادة في يوم العيد،
فيبدأ المسلم يومه بالتكبير وبالصلاة ـ صلاة العيد ـ والتقرب إلى الله عز وجل.
وأما المعنى الإنساني: فهو أن يفرح
الإنسان بفضل الله عليه ، ويتواصل مع غيره ، ويشع عليه من فرحته ، من أجل هذا شرع
الإسلام في كل عيد فريضة وشعيرة معينة ، فشرع في عيد الفطر زكاة الفطر، فرضها
النبي (صلى الله عليه وسلم) على الكبير والصغير والحر والعبد والرجل والمرأة،
وجعلها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي
الله عنهما) قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً
لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ،
وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ ) (سنن ابن
ماجه).
وفي عيد الأضحى شرع الأضحية ، حتى
يوسع الإنسان على نفسه وأقاربه ، وعلى جيرانه وفقراء المسلمين، فالإسلام لم يسن
الأضحية ليشبع أصحاب الأضحية من اللحم ، ولكن ليشبع الفقراء من اللحم الذي قد لا
يتوفر لهم في عموم الأوقات، يقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }[البقرة: 177].
ولما كانت أمة الإسلام هي خير أمة
أخرجت للناس، جاءت أعيادُها أكرمَ الأعياد، إذ جعلها الحق تبارك وتعالى مرتبطة بعقيدتها، فربط
عيد الفطر بفريضة الصيام، فهو عيد الفطر من الصيام، وفي الحديث الشريف (...
لِلصَّائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ
رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ...) (متفق عليه). يفرح بفطره كل يوم عند الغروب، لأنه
أُحِل له ما كان محرمًا عليه من أكل وشرب وجماع، وغير ذلك، وفرحة دينية بالتوفيق
للطاعة ، وتأتي الفرحة العامة في آخر رمضان لأنه وفِّق إلى طاعة الله وأداء
الفريضة في هذا الشهر، فهو يفرح بهذين الأمرين، ففرحة المؤمن الحقيقية بطاعة الله
وهدايته، يقول الله تعالى : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. ويحق للصائمين الفرح،
لأنهم حققوا نصرًا كبيرًا في معركة ضارية تحالفت فيها النفس مع الشيطان ضد العقل
الذي خلقه الله – عز وجل - ، فهذا العيد الأول عيد الفطر يأتي مرتبطًا بفريضة
الصوم، وكذا عيد الأضحى يأتي مرتبطًا
بفريضة أخرى وهي فريضة الحج، لذا سمي عيد الأضحى بيوم الحج الأكبر.
هـذا، وقد شرعت الأعياد في الإسلام
لحكم سامية ومقاصد عالية، وأغراض نبيلة ، لا تخرج عن دائرة
التعبُّد لله ربِّ العالمين، في كلِّ وقتٍ وحين ، ومنها:
*
ذكر الله تعالى وإظهار نعمته على عباده، وشكره سبحانه على تمام نعمته وفضله
وتوفيقه لعباده على إتمام العبادات، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده عند إكمال
العدة بتكبيره وشكره فقال سبحانه تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:
185]. وشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه، ومغفرته لهم به
وعتقهم من النار، أن يذكروه ويشكروه، لأن قضاء العبادة والطاعة يقتضي من المسلم أن
يشكرَ الله -
تعالى - الذي أعانه على ذلك، فإنه ما صلَّى ولا صامَ إلا
بِمَنِّه وتوفيقه- سبحانه - ،
ومتى شكر العبد ربَّه على نعمه وعده الله تعالى بالمزيد من النعم، قال تعالى : {لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
* ومن المقاصد العالية التي من
أجلها شرعت الأعياد : أن تكون فرصة لتوطيد العلاقات الاجتماعية بالتزاور والتلاقي،
والتآلف والتعارف ونشر المودة والرحمة بين المسلمين، وترسيخ الأخوَّة الدينيَّة
بين المسلمين في مشارق الأرض
ومغاربها، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي
قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا
أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ
الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي
اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ).
فتعميق التلاحُم بين أفراد الأُمَّة الواحدة،
وتوثيق الرابطة الإيمانيَّة، مقصد من المقاصد العظيمة التي شُرعتْ
لأجْلها الأعياد في الإسلام، مصداقًا لقول المصطفى ( صلَّى الله عليه وسلَّم): ( المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا )
( رواه البخاري).
* ومن مقاصد العيد أيضًا:
التذكيرُ بحقِّ الضعفاء والعاجزين، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغناؤهم
عن ذلِّ السؤال في هذا اليوم؛ حتى تشملَ الفرحةُ كلَّ بيتٍ، وتعمَّ
كل أسرة، ومن أجل ذلك شُرِعت الأُضْحية وصدقة الفِطْر.
فشعيرة العيد فرصة لتتصافَى النفوس
وتلتقي وتتآلف
القلوبُ، وتتوطد الصلاتُ والعلاقات، وتزول الضغائنُ والأحقاد، فتُوصَلُ
الأرحام بعد القطيعة، ويجتمعُ الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة
والقلوب قبل الأيدي، ويعم الودُّ والصفاء جميع أفراد المجتمع.
ولما كان العيد فرصة للسرور وتقوية
الروابط الاجتماعية كانت له آداب ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحرصَ عليها، ومن هذه
الآداب:
*
الاغتسالُ والتجمُّل، والتطيُّب، ولبس أحسن الثياب
يوم العيد، لأنه يومٌ يجتمع الناس فيه، وقد ثبَتَ أنَّ ابن عمر (رضي الله عنهما)
كان يغتسل يوم الفِطْر قبل أن يغدوَ إلى المصلى(موطأ مالك)، وأقرَّ النبي ( صلَّى الله
عليه وسلَّم) عمر بن الخطاب، ولم ينكرْ عليه التجمُّل للعيد، حين رأى عُمَرُ
جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا
رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ
مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) ( رواه البخاري).
فينبغي للمسلم أن يكونَ في هذا اليوم
على أحسن مَظهر، وأَتَمِّ هيئة، وذلك إظهارًا لنعمة الله عليه، وشكرًا
له على ما تفضَّل به، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يَرَى أثرَ نعمته
على عبده.
* ومن آداب
العيد : ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات، لما رواه البخاري عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ
:( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لاَ يَغْدُو
يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ .. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ) (
البخاري).
والسبب في ذلك : النهي عن الصوم في ذلك اليوم،
وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام، ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح.
* التكبير والجهر به: ويبتدئ من ثبوت العيد
وينتهي بصلاة العيد، وقد قال الله
تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة :185] ،
فينبغي على المسلم أن يجهر بالتكبير من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلي ، لحديث عبد
الله بن عمر - رضي الله عنهما- : ( أن رسول الله كان يكبر يوم الفطر من حيث يخرج
من بيته حتى يأتي المصلى ) (السنن الكبرى للبيهقي). وعن نافع: أن ابن عمر ( كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر
بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر
حتى يأتي الإمام، فيكبر بتكبيره) (سنن الدارقطني).
* الخروج
إلى الصلاة ماشيًا، لحديث علي (رضي الله عنه) قال:
(مِنَ اَلسُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى اَلْعِيدِ مَاشِيًا)، (رواه الترمذي وحسنه
)، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، يستحبون أن يخرج الرجل
إلى العيد ماشيًا، وألا يركب إلا من عذر .
* أن يذهب المسلم إلى الصلاة من
طريق وأن يرجع من طريق آخر ؛ لحديث جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا) قال: (كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا
كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) ( أخرجه البخاري ) . وذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم
القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ ، أو لإظهار
شعائر الإسلام في الطريقين، أو لقضاء حوائج الناس ، أو الصدقة على المحتاجين ، أو
لزيارة الأقارب وصلة الرحم وملاقاة الأحباب.
* ومن آداب العيد التهنئة الطيبة
التي يتبادلها الناس فيما بينهم، أيًا كان لفظها ، مثل قول بعضهم لبعض : تقبل الله
منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة، فهي أدب من
آداب العيد، لفعل بعض الصحابة لها، فعن جبير بن نفير قال : كان أصحاب النبي (صلى
الله عليه وسلم) إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم
لبعض ، (تُقُبِّل منا ومنك) (فتح الباري)، فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص
فيها أهل العلم.
ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم
الأخلاق، ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين.
ولما كان العيد في الإسلام مظهرًا من مظاهر
الفرح بفضْل الله تعالى ورحمته، وإظْهار السرور والفرح في الأعياد من شعائر الدين، فإن
الله
تعالى لم يحرم على عباده الفرح فيما يستحق أن يفرح الإنسان من أجله، وإن أولى
ما يفرح به المسلم توفيق الله – تعالى - له بالطاعة، لذا حثَّ الإسلام أتباعه في
كل
حين على أن يفرحوا بما يحمد
ويذكر، ثمَّ نهاهم - سبحانه - عن أن
يفرحوا بزخرف الدنيا ومتاعها الزائل، أو يفرحوا بالسطوة في الأرض بغير الحق، فإن ذلك يؤدي إلى العذاب المهين قال تعالى: { وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ}[سورة الرعد:26]، ويقول تعالى : {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ *
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 75، 76].
فالفرح المحمود ما يكون في مقابل نعمة التوفيق بطاعة من الطاعات ، أو قربة من
القربات، أو كفرحة المؤمن الذي قهر
شهواته، وقاوم رغباته، أو كانتصار ما
يحبه الله على ما لا يحبه، قال
تعالى : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن
يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم 5،4 ].
ومن ثمَّ فلا بأْسَ باللعب واللهو المباح،
وفِعْل كلِّ ما يُدخِل البهجة في النفوس، ولا
يَعني هذا التحلُّل من الأخلاق والآداب ، بل لا بُدَّ فيه من
الانضباط بالضوابط الشرعيَّة والآداب المرعية، من غير إفراطٍ ولا تفريط، فعَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ( مَا هَذَانِ
الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):( إِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )
(سنن أبي داود).
فالعيد في الإسلام بهجة وفرحة وسرور وشكر لله
على التوفيق لأداء فريضة الصيام أو الحج ، فقد روى البخاري (رحمه الله تعالى) عن
عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه
وسلم) وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى
الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْر فَانْتَهَرَني ، وَقَالَ:
مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)؟! - يستنكر- ،
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (دَعْهُمَا ).
وهذا يدل على جواز الفرحة والغناء بالمباحات من الكلام والشعر في العيد.
وواجب المسلم في هذا اليوم مراعاة الآداب
والضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية للاحتفال بالعيد ، ومراعاة حرمات الله
تعالى، فلا يجوز أن يكون يوم العيد يوم حزن أو هم بالبكاء والندب على الراحلين،
وإنما يكون يوم بهجة وسرور ، يوم التزاور والتراحم ، وإظهار الفرح والسرور
والبشاشة في وجه إخوانه وكل من يلقاه من المسلمين.
ومن ضوابط الفرحة في الأعياد: البعد عن المعاصي
والمنكرات ، والعمل على غرس المحبة، وإكرام الأيتام، وإطعام الفقراء، وسد حاجة
المحتاجين، والدعوة إلى التسامح ونبذ الخلافات التي تبعدنا عن طريق الله، والكف عن
المشاجرات، والتخلي عن الضغائن والعداوات التي تفسد علينا طاعتنا لله عز وجل.
والحذر مما يفعله كثير من بعض الناس في أيام
العيد من الإسراف والتبذير ، وتبديد الأموال
والأوقات، وارتكاب المحرمات، فيما لا يفيد نفعًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل
يعود عليهم بالضرر والخسران ، وصدق الله حيث قال:{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ
السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].
ومن هذا المنطلق فإن الإسراف في الفرح مدعاة للخروج عن المقصود ؛ بل
ربما أدى إلى الوقوع فيما لا يرضي الله – عز وجل - من معاصي.
فالعيد
ليس قطعًا للصلة بالله تعالى، أو نسيانًا للقرآن، أو نهاية عهد بالمساجد والجماعات ، وليس انفلاتًا من المثل والأخلاق، ولا انطلاقًا
للشهوات، أو تنصلًا من الطاعات ؛ بل هو فرح
رباني، وسرور روحاني، يفتتح بالتكبير
والتحميد
والصدقة والصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك يهمنا وتعليقك يسعدنا