مدونة "خطبة وخطيب

الاثنين، 25 يونيو 2018

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 15 من شوال 1439هـ الموافق 29 من يونيو 2018م تحت عنوان :

خطبة الجمعة القادمة
بتاريخ 15 من شوال 1439هـ الموافق 29 من يونيو 2018م تحت عنوان :

حرمة الكذب والافتراء والإفساد

وإشاعة الفوضى


 للاطلاع على نص الخطبة يرجى الضغط

هنا

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 8 من شوال 1439هـ الموافق 22 من يونيو 2018م تحت عنوان :

خطبة الجمعة

خطبة الجمعة القادمة
بتاريخ 8 من شوال 1439هـ الموافق 22 من يونيو 2018م تحت عنوان :

 سبل تقدم الأمم ودور الفرد فيها



  للاطلاع على نص الخطبة يرجى الضغط


الخميس، 14 يونيو 2018

خطبة العيد وخطبة جمعة العيد الاول من شوال 1439

 خطبتي العيد وجمعة الاول من شوال

1439

خطبة عيد الفطر المبارك 1439هـ 

 
للاطلاع وتحميل الخطبة 
اضغط
 

هنا 

 

وخطبة 

غرة شوال 1439هـ الموافق 15 من يونيو 2018م تحت عنوان :

 صلة الرحم

  للاطلاع على نص الخطبة يرجى الضغط

هنا

 

 

 

 

الاثنين، 11 يونيو 2018

العيــــد - آدابه وضوابط الفرحة فيه

العيــــد - آدابه وضوابط الفرحة فيه

 



 


أولاً : العناصر:

1- العبادات والأعياد في الإسلام.

2- حكمة مشروعية الأعياد .

3- من الآداب الإسلامية في العيد.

4- الأعياد تدعو إلى التسامح ونبذ الخلافات.

5- مظاهر الفرح وضوابطه في العيد.

ثانيًا: الأدلة:

الأدلة من القرآن:


1-    يقول الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }[الأعلى: 14، 15].


2-    ويقول تعالى:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].


3-    ويقول تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].


4-    ويقول تعالى :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] .


5-    ويقول تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26].


6-    ويقول تعالى : {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [غافر: 75، 76].


الأدلة من السنة :


1-     عَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ). قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (سنن أبي داود).


2- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ ) (سنن أبي داود).


3- وعن أبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ: (... لِلصَّائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ...) (صحيح البخاري).


4- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟  قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ) (متفق عليه).


5-     وعن عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ) (صحيح البخاري).


6-   وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه)  قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ .. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ) (البخاري).


7- وعَنْ جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قال: ( كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) ( أخرجه البخاري ) .


8-     وعن عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْر فَانْتَهَرَني، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)؟! -يستنكر- ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: ( دَعْهُمَا ) ( صحيح البخاري ).


 


ثالثًا : الموضــوع:


لقد انقضى رمضان وودعه المسلمون وقلوبهم مازالت به متعلقة ، لأنه عمَّر قلوبهم بالإيمان، وصفت فيه نفوسهم، وأخلصوا لله فيه العمل، عرفوا حق رمضان فصامت بطونهم عن المفطرات ، وصامت جوارحهم عن المنكرات ، فكان رمضان فرصة لفعل الخيرات ، وموسمًا لعمل البر والطاعات.


انقضى رمضان وقد فرغ المسلمون من صيامه ، ونرجو الله تبارك وتعالى أن يكون قد ترك أثارًا طيبةً في نفوس المسلمين، فلعل ما يقصده الإسلام من وراء الصيام قد تحقق في قلوب المؤمنين، كما نرجو الله تعالى أن يكون المسلمون قد خرجوا منه بتزكية النفوس، وتصفية الأرواح، وسلامة الصدور من الأحقاد والأضغان.


ودّع المسلمون شهر رمضان بأيامه الفاضلة، ولياليه العامرة، وقد فاز فيه من فاز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، وخسر فيه من خسر بسبب الذنوب والعصيان، نسأل الله تعالى أن يكون قد كتبنا فيه من الفائزين المنتصرين الغانمين.


واليوم يشرق علينا عيدُ الفطر المبارك ببهجته وفرحته، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات .


وإذ جعله الله - عز وجل- في نهاية الشهر الكريم ليفرح الصائمون والطائعون بطاعتهم لله - عز وجل-، فقد عُرفَ بيوم الجائزة،  فمن أتم صيامه وقيامه، وبذل فيه من العطاء ابتغاء مرضاة الله عز وجل، وأعطى من حرمه، ووصل من قطعه، وعفا عمن ظلمه، صدق فيه قول الحق سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: 14]، وذلك هو الفوز العظيم،  لأن العيد في حياة الإنسان أن تكون علاقته بالله في خير حال، ويسعى لأن يكون من أهل الجنة، فكل يوم يمر عليه دون أن يعصي الله فهو عيد، يقول ابن رجب (رحمه الله): "ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب، في ليلة العيد تفرق خلق العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد"[ لطائف المعارف].


والعيد في الإسلام له معنيان كبيران، معنى رباني، ومعنى إنساني، فالمعنى الرباني هو  أن لا ينسى الإنسان ربه بالعبادة في يوم العيد، فيبدأ المسلم يومه بالتكبير وبالصلاة ـ صلاة العيد ـ والتقرب إلى الله عز وجل.


وأما المعنى الإنساني: فهو أن يفرح الإنسان بفضل الله عليه ، ويتواصل مع غيره ، ويشع عليه من فرحته ، من أجل هذا شرع الإسلام في كل عيد فريضة وشعيرة معينة ، فشرع في عيد الفطر زكاة الفطر، فرضها النبي (صلى الله عليه وسلم) على الكبير والصغير والحر والعبد والرجل والمرأة، وجعلها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ ) (سنن ابن ماجه).


وفي عيد الأضحى شرع الأضحية ، حتى يوسع الإنسان على نفسه وأقاربه ، وعلى جيرانه وفقراء المسلمين، فالإسلام لم يسن الأضحية ليشبع أصحاب الأضحية من اللحم ، ولكن ليشبع الفقراء من اللحم الذي قد لا يتوفر لهم في عموم الأوقات، يقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }[البقرة: 177].


ولما كانت أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، جاءت أعيادُها أكرمَ الأعياد، إذ جعلها الحق تبارك وتعالى مرتبطة بعقيدتها، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، فهو عيد الفطر من الصيام، وفي الحديث الشريف (... لِلصَّائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ...) (متفق عليه). يفرح بفطره كل يوم عند الغروب، لأنه أُحِل له ما كان محرمًا عليه من أكل وشرب وجماع، وغير ذلك، وفرحة دينية بالتوفيق للطاعة ، وتأتي الفرحة العامة في آخر رمضان لأنه وفِّق إلى طاعة الله وأداء الفريضة في هذا الشهر، فهو يفرح بهذين الأمرين، ففرحة المؤمن الحقيقية بطاعة الله وهدايته، يقول الله تعالى : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. ويحق للصائمين الفرح، لأنهم حققوا نصرًا كبيرًا في معركة ضارية تحالفت فيها النفس مع الشيطان ضد العقل الذي خلقه الله – عز وجل - ، فهذا العيد الأول عيد الفطر يأتي مرتبطًا بفريضة الصوم،  وكذا عيد الأضحى يأتي مرتبطًا بفريضة أخرى وهي فريضة الحج، لذا سمي عيد الأضحى بيوم الحج الأكبر.


هـذا، وقد شرعت الأعياد في الإسلام لحكم سامية ومقاصد عالية، وأغراض نبيلة ، لا تخرج عن دائرة التعبُّد لله ربِّ العالمين، في كلِّ وقتٍ وحين ، ومنها:


*  ذكر الله تعالى وإظهار نعمته على عباده، وشكره سبحانه على تمام نعمته وفضله وتوفيقه لعباده على إتمام العبادات، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال سبحانه تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185]. وشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه، ومغفرته لهم به وعتقهم من النار، أن يذكروه ويشكروه، لأن قضاء العبادة والطاعة يقتضي من المسلم أن يشكرَ الله - تعالى - الذي أعانه على ذلك، فإنه ما صلَّى ولا صامَ إلا بِمَنِّه وتوفيقه- سبحانه - ، ومتى شكر العبد ربَّه على نعمه وعده الله تعالى بالمزيد من النعم، قال تعالى : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .


* ومن المقاصد العالية التي من أجلها شرعت الأعياد : أن تكون فرصة لتوطيد العلاقات الاجتماعية بالتزاور والتلاقي، والتآلف والتعارف ونشر المودة والرحمة بين المسلمين، وترسيخ الأخوَّة الدينيَّة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟  قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ).


فتعميق التلاحُم بين أفراد الأُمَّة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانيَّة، مقصد من المقاصد العظيمة التي شُرعتْ لأجْلها الأعياد في الإسلام، مصداقًا لقول المصطفى ( صلَّى الله عليه وسلَّم):  ( المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا ) ( رواه البخاري).


* ومن مقاصد العيد أيضًا: التذكيرُ بحقِّ الضعفاء والعاجزين، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغناؤهم عن ذلِّ السؤال في هذا اليوم؛ حتى تشملَ الفرحةُ كلَّ بيتٍ، وتعمَّ كل أسرة، ومن أجل ذلك شُرِعت الأُضْحية وصدقة الفِطْر.


فشعيرة العيد فرصة لتتصافَى النفوس وتلتقي وتتآلف القلوبُ، وتتوطد الصلاتُ والعلاقات، وتزول الضغائنُ والأحقاد، فتُوصَلُ الأرحام بعد القطيعة، ويجتمعُ الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة والقلوب قبل الأيدي، ويعم الودُّ والصفاء جميع أفراد المجتمع.


ولما كان العيد فرصة للسرور وتقوية الروابط الاجتماعية كانت له آداب ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحرصَ عليها، ومن هذه الآداب:


*  الاغتسالُ والتجمُّل، والتطيُّب، ولبس أحسن الثياب يوم العيد، لأنه يومٌ يجتمع الناس فيه، وقد ثبَتَ أنَّ ابن عمر (رضي الله عنهما) كان يغتسل يوم الفِطْر قبل أن يغدوَ إلى المصلى(موطأ مالك)، وأقرَّ النبي ( صلَّى الله عليه وسلَّم) عمر بن الخطاب، ولم ينكرْ عليه التجمُّل للعيد، حين رأى عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) ( رواه البخاري).


فينبغي للمسلم أن يكونَ في هذا اليوم على أحسن مَظهر، وأَتَمِّ هيئة، وذلك إظهارًا لنعمة الله عليه، وشكرًا له على ما تفضَّل به، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يَرَى أثرَ نعمته على عبده.


* ومن آداب العيد : ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات، لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه)  قَالَ :( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ .. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ) ( البخاري).


والسبب في ذلك : النهي عن الصوم في ذلك اليوم، وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام، ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح.


* التكبير والجهر به: ويبتدئ من ثبوت العيد وينتهي بصلاة العيد، وقد قال الله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة :185] ، فينبغي على المسلم أن يجهر بالتكبير من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلي ، لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- : ( أن رسول الله كان يكبر يوم الفطر من حيث يخرج من بيته حتى يأتي المصلى ) (السنن الكبرى للبيهقي). وعن نافع: أن ابن عمر  ( كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، فيكبر بتكبيره) (سنن الدارقطني).


* الخروج إلى الصلاة ماشيًا، لحديث علي (رضي الله عنه) قال: (مِنَ اَلسُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى اَلْعِيدِ مَاشِيًا)، (رواه الترمذي وحسنه )، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيًا، وألا يركب إلا من عذر .


* أن يذهب المسلم إلى الصلاة من طريق وأن يرجع من طريق آخر ؛ لحديث جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قال: (كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) ( أخرجه البخاري ) . وذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ ، أو لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين، أو لقضاء حوائج الناس ، أو الصدقة على المحتاجين ، أو لزيارة الأقارب وصلة الرحم وملاقاة الأحباب.


* ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم، أيًا كان لفظها ، مثل قول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة، فهي أدب من آداب العيد، لفعل بعض الصحابة لها، فعن جبير بن نفير قال : كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض ، (تُقُبِّل منا ومنك) (فتح الباري)، فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص فيها أهل العلم.


ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق، ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين.


ولما كان العيد في الإسلام مظهرًا من مظاهر الفرح بفضْل الله تعالى ورحمته، وإظْهار السرور والفرح في الأعياد من شعائر الدين، فإن الله تعالى لم يحرم على عباده الفرح فيما يستحق أن يفرح الإنسان من أجله، وإن أولى ما يفرح به المسلم توفيق الله – تعالى - له بالطاعة، لذا حثَّ الإسلام أتباعه في كل حين على أن يفرحوا بما يحمد ويذكر، ثمَّ  نهاهم - سبحانه - عن أن يفرحوا بزخرف الدنيا ومتاعها الزائل، أو يفرحوا بالسطوة في الأرض بغير الحق، فإن ذلك يؤدي إلى العذاب المهين قال تعالى: { وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ}[سورة الرعد:26]، ويقول تعالى : {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 75، 76].


فالفرح المحمود ما يكون في مقابل نعمة التوفيق بطاعة من الطاعات ، أو قربة من القربات، أو كفرحة المؤمن الذي  قهر شهواته، وقاوم رغباته، أو كانتصار ما يحبه الله على ما لا يحبه، قال تعالى : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم 5،4 ].


ومن ثمَّ فلا بأْسَ باللعب واللهو المباح، وفِعْل كلِّ ما يُدخِل البهجة في النفوس، ولا يَعني هذا التحلُّل من الأخلاق والآداب ، بل لا بُدَّ فيه من الانضباط بالضوابط الشرعيَّة والآداب المرعية، من غير إفراطٍ ولا تفريط، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ( مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ) (سنن أبي داود).


فالعيد في الإسلام بهجة وفرحة وسرور وشكر لله على التوفيق لأداء فريضة الصيام أو الحج ، فقد روى البخاري (رحمه الله تعالى) عن عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْر فَانْتَهَرَني ، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)؟! - يستنكر- ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (دَعْهُمَا ). وهذا يدل على جواز الفرحة والغناء بالمباحات من الكلام والشعر في العيد.


وواجب المسلم في هذا اليوم مراعاة الآداب والضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية للاحتفال بالعيد ، ومراعاة حرمات الله تعالى، فلا يجوز أن يكون يوم العيد يوم حزن أو هم بالبكاء والندب على الراحلين، وإنما يكون يوم بهجة وسرور ، يوم التزاور والتراحم ، وإظهار الفرح والسرور والبشاشة في وجه إخوانه وكل من يلقاه من المسلمين.


ومن ضوابط الفرحة في الأعياد: البعد عن المعاصي والمنكرات ، والعمل على غرس المحبة، وإكرام الأيتام، وإطعام الفقراء، وسد حاجة المحتاجين، والدعوة إلى التسامح ونبذ الخلافات التي تبعدنا عن طريق الله، والكف عن المشاجرات، والتخلي عن الضغائن والعداوات التي تفسد علينا طاعتنا لله عز وجل.


والحذر مما يفعله كثير من بعض الناس في أيام العيد من الإسراف والتبذير ، وتبديد الأموال والأوقات، وارتكاب المحرمات، فيما لا يفيد نفعًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل يعود عليهم بالضرر والخسران ، وصدق الله حيث قال:{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].


ومن هذا المنطلق فإن الإسراف في الفرح مدعاة للخروج عن المقصود ؛ بل ربما أدى إلى الوقوع فيما لا يرضي الله – عز وجل - من معاصي.


فالعيد ليس قطعًا للصلة بالله تعالى، أو نسيانًا للقرآن، أو نهاية عهد بالمساجد والجماعات ، وليس انفلاتًا من المثل والأخلاق، ولا انطلاقًا للشهوات، أو تنصلًا من الطاعات ؛ بل هو فرح رباني، وسرور روحاني، يفتتح بالتكبير والتحميد والصدقة والصلاة.


 

الاثنين، 4 يونيو 2018

خطبة ليلة القدر وفضائل العشر الأواخر من رمضان قابلة للنسخ واللصق


ليلة القدر وفضائل العشر الأواخر من رمضان

أولاً: العناصر :-


1-     شهر رمضان وفضل العشر الأواخر منه .


2-     اغتنام الأوقات بحسن الطاعات .


3-     ليلة القدر ومكانتها العظيمة وفضلها الكبير .


4-     الختام لشهر الصيام إنما الأعمال بالخواتيم .


ثانياً: الأدلـــــــــة :-


الأدلة من القرآن :

1-    قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] .

2-    وقال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [السجدة:15، 16] .

3-    وقال تعالى:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:15-18] .

4-    وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]  .

5-    وقال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]  .

6-    وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:35] .

7-    وقال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[ القدر: 1-5] .

8-    وقال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}  [الدخان:3، 4] .

9-    وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل:5-10] .

الأدلة من السنة :

1-   عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ( كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجدَّ وشدَّ المئزر ). (متفق عليه.)

2-  وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ما لا يجتهدُ في غيرِه ) (صحيح مسلم).

3-  وعن الْمُغِيرَةَ بْن شُعْبَةَ قال: قَامَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ يا رسول الله: قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: ( أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ). (متفق عليه.) ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ). (متفق عليه.)

4-  وفي الصحيحين عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ).

5-  وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). (متفق عليه).

6-  وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قلت للنبي (صلى الله عليه وسلم): أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )(رواه الترمذي)

7-  وعن أنس(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( إن الله إذا أراد بعبد خيراً استعمله ).فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال (يوفقه لعمل صالح قبل موته) (رواه الترمذي.)

ثالثاً: المــوضـــــوع :-

إن الله - سبحانه وتعالى- يمتن على عباده بالنفحات ، بل ويزيد لهم فيها من البركات ، فهذا شهر رمضان ، قال عنه ربنا سبحانه: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] ، وجعل الله في هذا الشهر الكريم العشر الأواخر ، فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزداد ، ولمن أساء أن يستدرك ما فات ؛ ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات ، وما يقربه من الله تعالى ، فحينما نتأمل ما كان عليه سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) في العشر الأواخر ، فإننا نجد أن العبارات والأحاديث التي رويت في هذا الشأن ليس فيها كثير كلام ، وليست من الأحاديث الطويلة مطلقاً ، ولكنها أوصاف أَجملت وأَوجزت صفة القلب ، وحياة الروح ، وشغل العقل ، وفعل البدن ، جاءت في كلمات عجيبة ذكرها أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) فهذه أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شدَّ مئزرَه ، وأحيَا ليله ، وأيقظَ أهلَه ) (متفق عليه) .

وفي رواية عنها (رضي الله عنها) قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ما لا يجتهدُ في غيرِه ) (صحيح مسلم) ، ومعنى شد المئزر: أي شمر واجتهد في العبادات ، وقيل: كناية عن اعتزال النساء .

فالنبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخصُّ العشر الأواخر من رمضان ، ما لا يخصُّ غيرها ، بأعمالٍ يعملُها ويحرص عليها فمنها: إحياء الليل ؛ وفي المسند من وجهٍ آخرَ عنها قالت: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخلطُ العشرين بصلاةٍ ونومٍ ، فإذا كان العشرُ - تعني الأخيرَ - شمَّرَ وشَدَّ المئزر ) . ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه ؛ وفي صحيح مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ) ما علمتُهُ (صلى الله عليه وسلم) قام ليلة حتى الصباح ) .

ولم لا ؟! ودأب المؤمنين الصالحين قيام الليل ، والتهجد والوقوف بين يدي الله سبحانه، هذا ما بينه لنا ربنا جل في علاه ، فقال تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[السجدة:15، 16] .

وأشار الله تعالى إلى عباده المتقين ، وكيف كان حالهم ، من قيام الليل وهجر للفرش ، قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا من اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15-18] ، وبهذا استحق هؤلاء المؤمنون جنات وعيون ، كما وعد الحق سبحانه.

وأما عن الهدي النبوي والتطبيق المحمدي لهذا الشأن ؛ فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقوم من الليل حتى تتورم قدماه ، ففي الحديث عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قال: قَامَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: ( أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) (متفق عليه) .

ومن الأعمال التي أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إليها ، وأرشد إلى القيام بها ، وكان يحرص ويواظب على أدائها ، إيقاظ أهله ؛ للعبادة والطاعة ، والتضرع لله سبحانه ، والوقوف بين يدي الحق جل في علاه ، لأن الإنسان مسئول عن أهله ، والراعي مسئول عما استرعاه الله عز وجل ، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم:6] . فقولها: (أيقظ أهله) فيه إشارة إلى أن الواجب المنوط بكل واحد منا لا يتعلق به وحده ، ولا يقتصر عليه وحده ، بل يشمل الدائرة الأوسع، وأقربها وأولاها الأهل ، فإنّ العبدَ مطالبٌ أن يقي نفسه وأهله من عذاب الله ، وأن يجعل له ولمن هم في رعايته حجاباً وستراً من النار ، إنها الرعاية الواجب فعلها ، والعناية التي ينبغي له القيام بها ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: ) كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) (متفق عليه) .

وروي أن عمر (رضي الله عنه) كان يصلي من الليل ما شاء الله ، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ، يقول لهم: الصلاة الصلاة ، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ... الآية } [طه: 132] (الموطأ ).

ولم يقف الأمر عند مجرد إحياء الليل ، وإيقاظ الأهل ، بل تعدى إلى بيان الحالة والهيئة التي ينبغي أن يكون العبد عليها ، من جد واجتهاد ، وهذا ما كان يحرص عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) فكان يجد ويجتهد ، ويشد المئزر – كناية عن اعتزال النساء – إنها المجاهدة للنفس ، والتوجه لله تعالى ، قال سبحانه:  { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ، ومن جهة أخرى يقال في كلام العرب: شمّر عن ساعد الجدّ أو شمّر عن المئزر ، إذا جَدّ واجتهد وبلغ الغاية القصوى في البذل والعمل .

بل هذا ما أمر الله تعالى به ، من مجاهدة في سبيله ، وأن يبتغى العبد وسيلة تقربه لله سبحانه ، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:35] ؛ إنه الفلاح والنجاح ، والفوز العظيم ، يناله العبد بالمجاهدة والتوجه إلى الله تعالى .

وإذا كانت العشر الأواخر من رمضان أياماً عظيمة امتن الله بها على الأمة المسلمة ، بأن أعطاها نفحات ربانية عطرة ، فيها الأجر الكبير ، والثواب العظيم ، فيها تتضاعف الحسنات ، ويغفر الله تعالى الذنوب والسيئات ، ويمحو الزلات ؛ فقد جعل الله تبارك وتعالى في العشر الأواخر ليلة القدر ، إكراما من الله لأمة محمد (عليه الصلاة والسلام) حتى تكثر حسناتها ، وترتفع بها درجاتها ، ولا تسبقها الأمم الأخرى ، فليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .. هي خلاصة رمضان ، وتاج رمضان ، وكان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : ) تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) ( صحيح البخاري ) .

ولهذا كان من سُنةّ النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) التأهب والاستعداد في تلك العشر ، وهذا فيه من الاجتهاد في العبادة ، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة الفاضلة – ليلة القدر – التي هي خيرٌ من ألف شهر ، فينقطع تلك المدة عن كل الخلائق ، مشتغلاً بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته ، وشغل لسانه بدعائه وذكره ، وتخلى عن جميع ما يشغله ، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقي له سوى الله ، وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه ، طلباً لفضله وثوابه وإدراكاً لليلة القدر .

والمقصود الأسمى من الاجتهاد في العشر الأواخر أن يكون العبد مهيئاً لتنزلات الله سبحانه في ليلة القدر ، فإن ليلة القدر ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة ؛ قال الله تعالى فيها: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}  ، والمعنى: أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .

وليلة القدر في الروايات الشريفة لها قدسية خاصة ، وأهمية كبرى ، فيستحب للمكلف أن يهتم بالغ الأهمية بإحياء هذه الليلة العظيمة ؛ ففي هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام ، فيكتب فيها الأحياء والأموات ، والسعداء والأشقياء ، والآجال والأرزاق ، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان:4].

وسميت ليلة القدر بهذا الاسم كما قيل: لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة ، ورزق وبركة ، يروَى ذلك عن ابن عباس (رضي الله عنهما) ؛ وقد قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]. وقيل: سميت ليلة القدر لعظم قدرها عند الله ، وقيل: القدر بمعنى الضيق ، لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها ، فروى الإمام أحمد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً: ( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى ) .

وسمَّاها الله تعالى مباركة ، فقال سبحانه: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }. وهي ليلة القدر بدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (185). وعَنْ اِبْن عَبَّاس (رضي الله عنهما) قَالَ: ) أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْد ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَة ) وَقَرَأَ: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ }.

ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه قد أبهم هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ، ويجدِّوا في العبادة في الشهر كله طمعاً في إدراكها ، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله ، وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ، ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها ، وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجد الناس في العمل حذراً منها .

وأما عن العمل في ليلة القدر فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه هو الأسوة والقدوة ، وألا يضيّع ساعات هذه الأيام والليالي ، فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى ، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه) .

إن ليلة القدر عند المحبين ليلة الحظوة بأنس مولاهم وقربه ، وإنما يفرون من ليالي البعد والهجر لها ، بقيامها و إحيائها بالتهجد فيها والصلاة ، وقد أمر عائشة بالدعاء فيها ؛ قالت عائشة (رضي الله عنها) للنبي (صلى الله عليه وسلم): أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ).

والحاصل أن السعيد حقًا من يوفق إلى إدراك هذه الليلة المباركة ، ومما لا خلاف فيه ولاشك ولا مرية أن من قام رمضان كله فقد أدرك ليلة القدر لا محالة ، ولهذا كان السلف الصالح منهم من يدخل المسجد من أول ليلة من رمضان ولا يخرج إلا بعد صلاة العيد .

إنما الأعمال بالخواتيم: إن الله تعالى بحكمته وعدله إذا علم من عبده صدق القلب وحسن النية فإنه يوفقه لعمل صالح يختم عليه ، ولو عمل ما عمل من شر ، وإذا علم منه فساداً في قلبه فإنه يختم له بسوء خاتمة ، ولو عمل فيما يبدو للناس بعمل أهل الجنة ، بل قد يظهر حقيقة أمره للناس عبرة وموعظة للمؤمنين ، كما في حديث سهل بن سعد في الرجل الذي أبلى بلاء ً حسناً وقاتل المشركين ، ولكن لما في قلبه من فساد لا يعلمه إلا الله فإنه ختم له بخاتمة سوء ، وإنما أخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلم بحال خاتمته بوحي من الله تعالى تصديقاً لنبيه ، وبرهاناً على أنه رسول رب العالمين،  ولهذا قال الصحابي الذي رآه قتل نفسه : (يا رسول الله صدق الله حديثك ، قد انتحر فلان فقتل نفسه) رواه البخاري .

وإن مما يدل على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل:5-10] ، وروى البخاري في كتاب التفسير عن علي (رضي الله عنه) قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة ، فنكس فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال: ( ما منكم من أحدٍ ، وما من نفسٍ منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة أو النار ، وكتبت شقية أو سعيدة ) ، قال رجل : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاء .! قال: ( أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء ) ثم قرأ { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى...} الآية .

وعن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( إن الله إذا أراد بعبد خيراً استعمله ) ، فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال ( يوفقه لعمل صالح قبل الموت ) (رواه الترمذي) .

إنَّ الأعمال بالخواتيم ، هكذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (إنما الأعمال بالخواتيم). ولأجل هذا فإن الحكم على الآخرين إنما يكون بظواهر الأمور وعلى ما يختم عليه العبد ، والخفايا والسرائر إنما يترك علمها للخبير العليم الذي يعلم السر وأخفى .

فمن ختم له بخير فقد أفلح ونجح ، ومن ختم له بشر فقد خاب وخسر ، فعلى كل مسلم أن يخاف من سوء الخاتمة ، وأن يسأل الله - عز وجل - الثبات على الدين حتى الممات ، وعليه أن يحرص على العمل بأسباب الثبات ؛ عسى الله أن يوفقه لذلك .

فاحرصوا على أن تختموا شهركم بطاعة الله تعالى والتقرب إليه بأنواع القربات ، وإحسان الصلة به، وصدق العبد في الرغبة فيما عنده جلَّ في علاه ، فمن كان مقصراً فيما مضى فليحفظ ما بقي من هذا الشهر بالطاعة والإحسان ، ومن كان محسناً فيما مضى فليحرص على سلامة القصد وصحة النية .

يتم التشغيل بواسطة Blogger.